تحليل موجز لالتزامات الأمن السيبراني المتغيرة في دولة الإمارات وسياسات الصمود الرقمي وآثارها على امتثال الشركات في عام 2025.
دخلت دولة الإمارات عام 2025 بتركيز متزايد على الحوكمة الرقمية وتعزيز مرونتها الوطنية في مجال الأمن السيبراني. وبعد عقد من التحول الرقمي الطموح، أصبح نهج الحكومة يعكس تداخلاً منظمًا بين سياسات التكنولوجيا والمساءلة القانونية والردع الاستراتيجي ضد التهديدات الإلكترونية. الهدف لم يعد مجرد حماية الأنظمة، بل ترسيخ ثقافة المسؤولية السيبرانية ضمن كل من القطاعين العام والخاص.
1. تطور الإطار الوطني للأمن السيبراني
ينطلق الإطار العام للأمن السيبراني في دولة الإمارات من الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني التي أطلقتها هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية (TDRA) عام 2019. ومنذ ذلك الحين، تطور هذا الإطار ليأخذ طابعًا أكثر تنفيذًا تحت إشراف مجلس الأمن السيبراني الإماراتي، مع دمج معايير دولية مرجعية مثل ISO/IEC 27001 وNIST وCIS Controls.
في عام 2025، تم إدخال عدة تعديلات تهدف إلى مواءمة التزامات الأمن السيبراني مع متطلبات حماية البيانات المنصوص عليها في المرسوم بقانون اتحادي رقم 45 لسنة 2021 بشأن حماية البيانات الشخصية، بما يضمن إنشاء منظومة موحدة للامتثال في مجال الحوكمة الرقمية.
2. التكامل التنظيمي وآليات الإنفاذ
يوسّع إطار عام 2025 نطاق الرقابة على الامتثال ليشمل البنى التحتية الحيوية وخدمات الحوسبة السحابية والتقنيات المالية. ويظل المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الأداة التشريعية الأساسية لمواجهة الجرائم السيبرانية، إلا أن تطبيقه بات يتم جنبًا إلى جنب مع التزامات الإبلاغ الاستباقي وآليات التدقيق والمراجعة.
كما وتفرض تعاميم وزارية جديدة على الكيانات المعنية واجب إخطار مجلس الأمن السيبراني خلال مدة لا تتجاوز اثنتين وسبعين ساعة من وقوع أي خرق جسيم، بما يتوافق مع أفضل الممارسات التنظيمية الدولية المنصوص عليها في توجيه الاتحاد الأوروبي NIS2. ويجسد هذا التطور تحولًا جوهريًا في السياسة التشريعية من نمط الإنفاذ الجنائي اللاحق إلى نموذج تنظيمي وقائي قائم على إدارة المخاطر.
3. الآثار المترتبة على امتثال الشركات
تخضع الكيانات الخاصة اليوم لرقابة متزايدة لإثبات اتخاذها “تدابير أمن سيبراني معقولة” ضمن إجراءات الترخيص والتجديد. وقد أدرجت الجهات التنظيمية في المناطق الحرة مثل مركز دبي المالي العالمي (DIFC) وسوق أبوظبي العالمي (ADGM) عمليات تدقيق في الأمن السيبراني ضمن مراجعات الامتثال السنوية، في حين تختبر الهيئات الاتحادية آليات الدمج مع منصة “Cyber Pulse” التابعة لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية (TDRA) لأتمتة مراقبة المخاطر.
وقد تؤدي السياسات الداخلية غير الكافية، وضعف تدريب الموظفين، أو الثغرات الأمنية الناتجة عن الأطراف الثالثة، إلى فرض جزاءات إدارية أو تعليق الخدمات الرقمية أو إلحاق ضرر بالسمعة المؤسسية، وهي مخاطر تتجاوز نطاق المسؤولية المالية لتقوض مصداقية الكيان القانوني ذاته.
4. نحو ثقافة للمساءلة السيبرانية
ما يميز إطار عام 2025 في دولة الإمارات هو سعيه إلى نقل مفهوم الأمن السيبراني من كونه التزامًا تقنيًا إلى كونه مبدأً من مبادئ الحوكمة المؤسسية. وتُتوقع من مجالس الإدارات بدرجة متزايدة معاملة المخاطر الرقمية بوصفها مسألة استراتيجية تُدمج ضمن عملية اتخاذ القرار المؤسسي. وبهذا يضع القانون الأمن السيبراني ليس فقط كوسيلة للحماية من الاختراق، بل كأساس لبناء الثقة ضمن الاقتصاد الرقمي.
الرؤية الختامية
يعيد إطار الأمن السيبراني لعام 2025 تعريف مفهوم الامتثال بوصفه مسؤولية مشتركة بين الدولة والجهات الفاعلة في القطاع الخاص. ومن خلال مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية وتعزيز مبدأ الشفافية في الاستجابة للحوادث، تؤكد دولة الإمارات التزامها المزدوج بالابتكار والأمن. ويتمثل الهدف النهائي في تحويل الأمن السيبراني من آلية دفاعية تفاعلية إلى منظومة متكاملة تقوم على الثقة الرقمية والمساءلة المؤسسية والنضج التقني.
الردود